العالم مزدحم جدا، هنا أحاول أن أوجد لي فيه مساحة أتواصل بها معكم.

رحلة...

" المقابر مملوءة بأشخاص كانوا يعتقدون بأن العالم لن يستمر بدونهم" هكذا تقول الحكمة، كلمات صادقة وأعتقد أن لها وجها آخر و هي أنها مملوءة أيضا بأشخاص ظن الكثيرون أنهم لن يستطيعوا العيش بدونهم، و هو شعور يغزو قلوبنا عند فقد أي حبيب أو غالٍ. لازلت أذكر أني في مرة من المرات عندما خرجت من عزاء بصحبة الوالد فخطر في بالي مثل هذا التساؤل فارتبكت و تعوذت بالله من إبليس.  " لا يبه ...عسى يومي قبل يومك " " يمه ما نقدر نعيش بدونك" " فلان تكفه لا تخرعني ...فال الله و لا فالك" و كلمات من هذا القبيل لكن ما هي إلا حفنات من الرمل تحثى على القبر فينطلقون و هو يسمع خفق نعالهم حتى ينسى ليصير خبراً بعد عين.
ما أهون الدنيا و الحال كهذه. أحيانا يقول أحدنا ماذا سيفعل صغاري لو تركتهم و هم أحوج ما يكونون إلي و يشغله التفكير بهم عن العمل لهم. كما أن البعض صار من الغرور بمكان حتى ظن أن كل شيء سيتعطل في غيابه و أنه المهم و أنه الذي لا يستغنى عنه فلما حم القضاء انكشفت له حقيقة طالما أغفل عنها و غيبها من قاموسه، و هي أن الدنيا ماضية في دربها في وجوده وفي عدمه و أنه دخل الدنيا كما دخلها من كانوا قبله و هي ماضية في دربها و سيغادرها و لم تزل كذلك، قطار ماض في دربه يركبه قوم و ينزل آخرون لا يدري الراكب متى يركب و لا النازل في أي محطة سوف يُنزل. و كم من راكب صعد هذا القطار و نزل في أول محطة أمامه و كأني به يتشبث بأبواب القطار لا يريد النزول يصرخ لم أركب إلا للتو فلان ركب القطار قبلي خذوه فيقال كلكم سينزل حينما يحين موعد نزوله.فيصرخ ولكني لم أستمتع بالرحلة فيرد عليه و من حدثك أن رحلة القطار للاستمتاع فقط إنها للسفر ثم إن قطارنا هذا يسير باتجاه واحد و لا يرجع للوراء..نعم أدري و لكني اشتغلت ببهرج المناظر على جانبي الطريق  فنسيت ... و ماذا عسانا أن نفعل لك أن نسيت هيا انزل لقد أكثرت من الجدل و نحن لا نراجع فنزل و أخذ يتبع القطار نظره حتى غاب في الأفق و يتساءل عن أهله في القطار و لكنهم كيف يتركوني هنا و حيدا و يذهبون بحاجياتي و أمتعتي معهم و هل سيعطونها أحدا غيري فيكون علي وزرها و لغيري نفعها ... ابتعد القطار فجلس أو بالأحرى ارتطم بالأرض.
يقول الرافعي "كن زيادة في الدنيا و لا تكن زيادة عليها" رحمه الله رحمة واسعة و معنى كلامه أن كل واحد منا داخل الدنيا و خارج منها فلا ينبغي لنا أن ندخلها و نخرج بدون أن نترك أثرا. كثير من الأفراد في مجتمعاتنا فخور بماضيه لكن حين تقلب صفحات ماضيه المطوية لن تجد شيئا ذا بال بل حاله حال الملايين الذين يولدون و يموتون ليس بين الأولى و الأخرى إلا استخراج شهادة الميلاد ثم استبدالها بشهادة الوفاة.
العظماء قلة لكنهم يصنعون التاريخ وهم مثلنا لأم و لأب و أعمارهم نفس أعمارنا لكن هممهم تختلف وهذا بيت القصيد. فبالهمم تكبر النفوس و تصغر.

ياله من قطار هذا القطار
@4abdullah

هناك 4 تعليقات:

  1. جزاك الله كل خير يا ابو عيد
    فقد نبهت وامتعت ويسرت ولخصت
    الدنيا بعدد قليل من السطور

    اللهم لا تجعل الدنيا همنا ولا مبلغ قصدنا يا رب العالمين

    ردحذف
  2. إحساس الإنسان أن الدنيا ستتعطل من دونه قد يكون نتاج أمرين الأول الثقة العمياء بالنفس والإفراط بها والثاني نظرته لما حوله كونه مركز العالم.
    والانسان وعلاقته بنهضته علاقة معقدة بعقد شبكية تتداخل مع دواعيها ومحفزاتها البيئة والمجتمع ونفسه التي تتفاعل مع هذا وذاك
    صحيح أن الانسان يملك زمام المبادرة في إذكاء نهضته واشعالها ولكن هذا رهين بعوامل التحفيز التي قد تلعب دوراً مفصلياً بحيث يعود لها الشكر لا للإنسان في انتهاض نهضته
    إن ارتماءالانسان في مرمى دواعي نهضته ومحفزاتها قد تكون مصادفة أو زمام ابتدره بيسر أو صعوبة أو بعد محاولات عديدة
    فكم نسمع عن كثير من المعاقين ممن انتهض عندما وجد نفسه في مرمى محفزات النهضة بسبب تفاعله مع بُعد بيئياً أو اجتماعيا أو غيرها من الأبعاد مع أن الإعاقة قد تكون جسدية فهي بمجردها إعاقة لنهضته التي لم يفكر بها ولما تولد بعد ولكن عندما أتاه من تلقاء البُعد الاجتماعي شيء من الشفقة أو الاستضعاف فتفاعل معه بالرفض والتصميم ليعكس أقوالهم ونظراتهم
    شكرًا لك أستاذي العزيز على مقالٍٍ لايُمل

    نواف جرمان العضياني
    وعلى الطرف الأخر قد يبذل الانسان جل وقته ويتفانى في الانتهاض فلا ينهض لوجود محفزات معوقات النهضة البيئي والاجتماعي والأسري وحتى الاقتصادي
    فالملامة كل الملامة على من وجد نفسه يُنهضها من حولها فلا ينتهض بها .

    ردحذف
    الردود
    1. المعذرة على بتر المشاركة بجملتي الثناء والاسم
      فعندي مشكلة في تعامل أجهزة أبل مع الكتابة في الموقع وإلى الآن لم تحل
      تقبل اعتذاري ابو عيد
      نواف جرمان

      حذف
  3. شكرا لك تعليق وافي منك وإضافة حقيقية تستحق أن تكون في مقال مستقل لوحده

    دمت بخير وعافية

    ردحذف