العالم مزدحم جدا، هنا أحاول أن أوجد لي فيه مساحة أتواصل بها معكم.

عقدة الرواية الواحدة!

نشأت صغيرا ولدي تصور عن الأشياء التي تحيط بي، تشكل بعضها بسبب الذين اختلط بهم ، وبعضها من دروس المسجد ، التاريخ كان برواية والدي وكبار السن الذين "يدهلون" مجلسه رحمه الله وإياهم، أما العالم الخارجي فكان برواية تلفزيون الكويت، حرب العراق وايران مثلا عرفتها برواية حكومية حالي حال الشعب الذي حدد الظالم والخطر والمظلوم الذي يجب ان ينتصر.
كانت رواية واحدة لكن بطبعات متجددة ومنقحة تعزز نفس التصور عن كل حدث ، قد تكون صادقة أحيانا لكنها لم تكن كاملة غالبا
عرفت المذهب الشيعي برواية واحدة ومتعددة لكنها تعضد بعضها بعضا
التصوف عرفته بنفس الطريقة أيضا
الدول والاعراف ثم الشعوب والامم
كلنا وبدرجات متفاوتة أسرى للرواية والحكاية الواحدة التي تنتهي بتشكل تصور واحد يزيد وينقص لكنه في النهاية واحد
رواية واحدة و وجه واحد من اوجه الحقيقة يرسخ في أذهاننا تصورا نحسبه كل شيء، تشكل نسخة معتمدة عنك وعني وعن اي مجتمع و حدث بل أي زمن!
نقرأ الماضي والحاضر والمستقبل عبرها ومن خلالها وإن تفاوت شيء فهو بسبب تفاصيل أهملناها أو أحداث أضفناها لكنها هي هي نفس الرواية.
لكل قبيلة روايتها الخاصة عن الأخرين التي تبني تصوراتهم وتعززها، ولكل فئة روايتها الخاصة عن الفئات الأخرى، ولكل مذهب روايته الخاصة عن المذاهب الأخرى ،لكل جماعة وحزب رواياته الخاصة أيضا
قراءاتنا وسواليف وقصص الشياب شكلت نسخة الرواية عن حدث ما
منهاجنا الدراسية والتعليمية
عقائدنا وأفكارنا الأساسية
كلها شكلت تصوراتنا وروايتنا عن الأخر
النسخة الموجودة من رواية الغزو عند فئة من الناس مغايرة لتلك الموجودة عند الفئات الأخرى
الحقيقة ليست وجها واحدا
البيت ليس واجهة واحدة
الواجهة الواحدة تخبرك بجزء من المشهد لكنها لا تحيط به بالكامل
نحن مجتمعات غرقت في عقدة الرواية الواحدة لكل شي!  " وما آفة الأخبار إلا رواتها" فإلتهمتنا "حدثني ثقة" ، و "الناس يقولون".
الرواية الواحدة تجعلنا ننمط فهمنا عن كل شيء عن زيد وعن حدث وعن جماعة وعن مذهب
التنميط يجعلنا نعمم بشكل لا يخلو من سذاجة وجور وطفولية في التفكير والتقدير
التعميم خلل آخر من أخطاء اللغة والتفكير " كلهم كذلك"
هل كل هذه الروايات صادقة؟ وإذا كانت صادقة فهل كانت وافية كافية شافية؟
المشكلة تنفجر عندما تمتهن هذه الرواية الآخر وتسيء إليه وتعزز احتقاره ونحتفظ بها خاصة نتداولها في أوساطنا المغلقة ولكل مجموعة منا أوساطها المغلقة
لن نعرف الحقيقة كاملة حتى نعرف مجموع الروايات الكاملة عنها،و حتى نستمع
نستمع لنفهم لا لنحاكم
نستمع لنتبين لا لنوجه
نستمع بتواضع حقيقي لنحيط بالحقيقة ولن تمكن من الاحاطة بها كاملة بل بقدر معقول ومقبول منها
إن تعودنا على نموذج الرواية الواحدة جعلنا نشعر براحة وحسم يصاحبه ازدراء لذكاءات أخرى، فنعجب كيف غابت عنها الحقيقة التي اكتشفناها
نسينا أن الذي غاب عنها غالبا ليس كل الحقيقة بل نسختنا من الرواية لا كل اوجه الرواية!
كم هو محزن ان يكون هذه الرواية مكتوبة بقلم غير امين لغاية غير امينة فنظن هذه الخيانة حقيقة وهي غير ذلك
ابحثوا عن روايات اخرى لوجه الحقيقة
تأملوها وقارنوا بينها
فالروايات ألوان نضيفها للمشهد تبين لنا فروقات جوهرية لطالما غابت في رواية بيضاء أو سوداء.

هناك 12 تعليقًا:

  1. نعم نعاني من الوجه الواحد و النقل الواحد و الاتجاه الواحد و فوقها الرجل الأوحد الذي بيده مفاتيح كل المشاكل من حولنا

    يسهل تشكيل الراي العام مع الرواية الواحدة لذا استخدمها كل من بيده سلطه

    ردحذف
    الردود
    1. واعاد ترويجها واعادة انتاجها العامة وبسطاء الناس حتى صارت حقيقة

      حذف
  2. و ما آفة الاخبار الا رواتها
    صدقت ، المشكلة الحقيقية ليست في ما مضى من روايات و أحداث ... بل في إستمرارنا في نفس المنهج " الرواية الواحدة" حتى يومنا هذا!!
    سلمت يداك

    ردحذف
    الردود
    1. لقد تكلفنا بإعادة انتاج كل رواياتنا
      الحقيقة هي نفسها لكن بنسخ محدثة

      حذف
  3. المشكلة لما تناضل عشان الرواية الوحيدة و في الاخير يتضح لك ان هناك روايات لم تسمح لها دور النشر بالظهور !!

    حينها تشعر بالغبن !!

    ردحذف
    الردود
    1. فعلا كم هو مؤلم ومأساوي
      تشبيهك له جميل

      حذف
  4. الروايات تأتي على نوعين:
    النوع الأول: الرواية الكاشفة وهي التي تكشف بصدقها عن زيف ماأنت عليه من رواية وتكشف بزيفها عن صدق ماأنت عليه من رواية.
    النوع الثاني : الرواية المكملة وهي التي تكون جزء مكمل لصورة الحقيقة.
    وكل نوع ضروري لنا في بحثنا عن الحقيقة.
    نواف جرمان

    ردحذف
    الردود
    1. احسنت واعتقد ان الروايات تعضد بعضها بعضا اخي الغالي نواف وجمعها لبعضها من مناهج المحققين من اهل العلم بدل الغرق في وجه منها

      حذف
    2. أبوعيد لعلك تشير إلى نوع ثالث
      لعلها تدخل في النوع الأول فعندما تكون الرواية مصدقة لما أنت عليه من الرواية فهي بهذا تكون عاضدة.
      وإن شئت جعلنا نوعاً ثالث
      فنقول النوع الثالث الرواية العاضدة وهي الرواية التي تسند مايتطلب عندك من رواية إلى أسناد فهي تكون بهذا عاضدة ومقوية لرواية ضعيفة عندك
      والفرق بين النوع الأول والثالث
      أن الأول لديك رواية قوية لا تحتاج إلى إسناد
      والثالث لديك رواية ضعيفة تحتاج إلى من يسندها
      شكراً أمتعتنا
      نواف جرمان

      حذف
    3. جميل جدا هذا النوع نحتاجه جدا، أعتقد أن هناك العديد من أنواع الروايات التي تعزز تصوراتنا حول فكرة أو مجتمع كالرواية الدارجة بين الناس ولا يعرف لها أصل، أو الرواية الدعائية التي ترسم تصورا مدروسا إلخ
      الاقسام كثيرة

      حذف
  5. المشكلة ليست بالروايات ،، المشكلة فينا نحن فنحن ابطال هذه الروايات !؟؟ اذا كنا على قلب واحد فنحن اهل الخير في هذه الروايا ،؛ واذا كنا
    نسعى الى التفرقة !؟ فنحن السيئين اذا ( حامد الدلال )

    ردحذف
    الردود
    1. اعتقد ان الروايات اخي العزيز حامد تشكلها ونحن نعيد تشكيلها كجزء من العقل الجمعي، نعم نحن اللاعبون الاساسيون في الموضوع وبحاجة لادوات نقدية حقيقية لتجديد فهمنا و وعينا

      حذف